الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **
إذا وقع بعدها ساكن وذلك ثلاثة أحرف: الألف والياء التي قبلها حرفٌ مكسورٌ والواو التي قبلها حرفٌ مضموم. فأما حذف الألف فقولك: رمى الرجل وأنت تريد رمى ولم يخف. وإنما كرهوا تحريكها لأنها إذا حركت صارت ياءً أو واواً فكرهوا أن تصير إلى ما يستثقلون فحذفوا الألف حيث لم يخافوا التباساً. ومثل ذلك: هذه حبلى الرجل ومعزى القوم وأنت تريد المعزى والحبلى كرهوا أن يصيروا إلى ما هو أثقل من الألف فحذفوا حيث لم يخافوا التباساً. ومثل ذلك قولهم: رمت. وقالوا: رميا فجاءوا بالياء وقالوا: غزوا فجاءوا بالواو لئلا يلتبس الاثنان بالواحد. وذفريان لأنهم لو حذفوا لالتبس بما ليس في آخره ألف التأنيث من الأسماء. وأنت إذا قلت: هذه حبلى الرجل ومن حبلى الرجل علم أن في آخرها ألفاً. فإن قلت: قد تقول رأيت حبلى الرجل فيوافق اللفظ لفظ ما ليست في آخره ألف التأنيث فإن هذا لا يلزمه في كل موضع. وأنت لو قلت حبلان لم تجد موضعاً إلا والألف منه ساقطة ولفظ الاسم حينئذ ولفظ ما ليست فيه الألف سواء. وأما حذف الياء التي قبلها كسرة فقولك: هو يرمي الرجل ويقضي الحق وأنت تريد يقضي ويرمي كرهوا الكسر كما كرهوا الجر في قاضٍ والضم فيه كما كرهوا الرفع فيه ولم يكونوا ليفتحوا فيلتبس بالنصب لأن سبيل هذا أن يكسر فحذفوا حيث لم يخافوا التباساً. وأما حذف الواو التي قبلها حرف مضموم فقولك: يغزو القوم ويدعو الناس. وكرهوا الكسر كما كرهوا الضم هناك وكرهوا الضم هنا كما كرهوا الكسر في يرمي. وأما اخشوا القوم ورموا الرجل واخشى الرجل فإنهم لو حذفوا لالتبس الواحد بالجميع والأنثى بالذكر. وليس هنا موضع التباس. ومع هذا أن قبل هذه الواو أخف الحركات. وكذلك ياء اخشى وما قبل الياء منها في يقضي ونحوه وما قبل الواو منها في يدعو ونحوه. فاجتمع أنه أثقل وأنه لا يخاف الالتباس فحذف. فأجريت هذه السواكن التي حركوا ما قبلها منها مجرىً واحداً. ومثل ذلك: لم يبع ولم يقل ولو لم يكن ذلك فيها من الاستثقال لأجريت مجرى لم يخف لأنه ليس لاستثقالٍ لما بعدها حذفت وذلك ياء يهاب وواو يخاف. وقد بين ذلك. الثلاثة لتحرك ما بعدها وسأخبرك لم ذلك إن شاء الله وهو قولك: لم يخف الرجل ولم يبع الرجل ولم يقل القوم ورمت المرأة ورمتا لأنهم إنما حركوا هذا الساكن لساكنٍ وقع بعده وليست بحركة تلزم. ألا ترى أنك لو قلت: لم يخف زيدٌ ولم يبع عمرٌو أسكنت. وكذلك لو قلت رمت فلم تجىء بالألف لحذفته. فلما كانت هذه السواكن لا تحرك حذفت الألف حيث أسكنت والياء والواو ولم يرجعوا هذه الأحرف الثلاثة حيث تحركت لالتقاء الساكنين لأنك إذا لم تذكر بعدها ساكناً سكنت. وكذلك إذا قلت لم تخلف اباك في لغة أهل الحجاز وأنت تريد: لم تخف أباك ولم يبع أبوك ولم يقل أبوك لأنك إنما حركت حيث لم تجد بداً من أن تحذف الألف وتلقي حركتها على الساكن الذي قبلها ولم تكن تقدر على التخفيف إلا كذا كما لم تجد بداً في التقاء الساكنين من التحريك. فإذا لم تذكر بعد الساكن همزةً تخفف كانت ساكنةً على حالها كسكونها إذا لم يذكر بعدها ساكن. وأما قولهم: لم يخافا ولم يقولا ولم يبيعا فإن هذه الحركات لوازم على كل حال وإنما حذفت النون للجزم كما حذفت الحركة للجزم من فعل الواحد ولم تدخل الألف ههنا على ساكن ولو كان كذلك قال: لم يخفا كما قال: رمتا فلم تلحق التثنية شيئاً مجزوماً وكما أن الألف لحقت في رمتا شيئاً مجزوماً.
لتحرك آخر الحرف وذلك قولك في بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لامٌ في حال الجزم: ارمه ولم يغزه واخشه ولم يقضه ولم يرضه. وذلك لأنهم كرهوا إذ هاب اللامات والإسكان جميعاً فلما كان ذلك إخلالاً بالحرف كرهوا أن يسكنوا المتحرك. فهذا تبيان أنه قد حذف آخر هذه الحروف. وكذلك كل فعل كان آخره ياءً أو واواً وإن كانت الياء زائدة لأنها تجري مجرى ما هو من نفس الحرف. فإذا كان بعد ذلك كلامٌ تركت الهاء لأنك إذا لم تقف تحركت وإنما كان السكون للوقف. فإذا لم تقف استغنيت عنها وتركتها. وقد يقول بعض العرب: ارم في الوقف واغز واخش. حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس. وهذه اللغة أقل اللغتين جعلوا آخر الكلمة حيث وصلوا إلى التكلم بها بمنزلة الأواخر التي تحرك مما لم يحذف منه شيءٌ لأن من كلامهم أن يشبهوا الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع ما وأما لاتقه منوقيت وإن تع أعه من وعيت فإنه يلزمها الهاء في الوقف من تركها في اخش لأنه مجحفٌ بها لأنها ذهبت منها الفاء واللام فكرهوا أن يسكنوا في الوقف فيقولوا: إن تع أع فيسكنوا العين مع ذهاب حرفين من نفس الحرف. وإنما ذهب من نفس الحرف الأول حرفٌ واحد وفيه ألف الوصل فهو على ثلاثة أحرف وهذا على حرفين وقد ذهب من نفسه حرفان. وزعم أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون: ادعه من دعوت فيكسرون العين كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا أنها ساكنة إذ كانت آخر شيء في الكلمة في موضع الجزم فكسروا حيث كانت الدال ساكنة لأنه لا يلتقي ساكنان كما قالوا: رد يا فتى. وهذه لغةٌ رديئة وإنما هو غلطٌ كما قال زهير: بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا من غير ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي حذف أواخرها ولكنها تبين حركة أواخر الحروف التي لم يذهب بعدها شيء فمن ذلك النونات التي ليست بحروف إعراب ولكنها نون الاثنين والجمع. وكان هذا أجدر أن تبين حركته حيث كان من كلامهم أن يبينوا حركة ما كان قبله متحركاً مما لم يحذف من آخر شيءٌ لأن ما قبله مسكن فكرهوا أن يسكن ما قبله وذلك إخلالٌ به وذلك: هما ضاربانه وهم مسلمونه وهم قائلونه. ومثل ذلك: هنه وضربتنه وذهبتنه. فعلوا ذلك لما ذكرت لك. ومع ذلك أيضاً أن النون خفية فذلك أيضاً مما يؤكد التحريك إذ كان يحرك ما هو أبين منها. وسترى ذلك وما حرك وما قبله متحرك إن شاء الله. ومثل ذلك: أينه تريد أين لأنها نون قبلها ساكن وليست بنونٍ تغير للإعراب ولكنها مفتوحة على كل حال فأجريت ذلك المجرى. ومثل ذلك قولهم: ثمه لأن في هذا الحرف ما في أين أن ما قبله ساكن وهي أشبه الحروف بها في الصوت فلذلك كانت مثلها في الخفاء. ونبين ذلك في الإدغام. ومثل ذلك قولهم: هلمه يريد هلم. قال الراجز: يا أيها الناس ألا هلمه وإنما يريد: هلم. وغير هؤلاء من العرب وهم كثير لا يلحقون الهاء في الوقف ولا يبينون الحركة لأنهم لم وجميع هذا إذا كان بعده كلامٌ ذهبت منه الهاء لأنه قد استغني عنها. وإنما احتاج إليها في الوقف لأنه لا يستطيع أن يحرك ما يسكت عنده. ومثل ما ذكرت لك قول العرب: إنه وهم يريدون إن ومعناها أجل. وقال: ويقلن شيبٌ قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه ومثل نون الجميع قولهم: اعلمنه لأنها نون زائدة وليست بحرف إعراب وقبلها حرف ساكن فصار هذا الحرف بمنزلة هن. وقالوا في الوقف: كيفه وليته ولعله في كيف وليت ولعل لما لم يكن حرفاً يتصرف للإعراب وكان ما قبلها ساكناً جعلوها بمنزلة ما ذكرنا. وزعم الخليل أنهم يقولون: انطلقته يريدون انطلقت لأنها ليست بتاء إعراب وما قبلها ساكن. ومما أجري مجرى مسلمونه علامة المضمر التي هي ياء وقبلها ألف أو ياء لأنها جمعت أنها خفية وأن قبلها ساكناً فأجريت مجرى مسلمانه ومسلمونه ونعلينه. وذلك قولك: غلامايه وغلاميه وعصايه وبشرايه ويا قاضيه. فمن ذلك الياء التي تكون علامة المضمر المجرور أو تكون علامة المضمر المنصوب. وذلك قولك: هذا غلاميه وجاء من بعديه وإنه ضربنيه كرهوا أن يسكنوها إذ لم تكن حرف الإعراب وكانت خفية فبينوها. وأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء لأن ذلك أمرها في الوصل فلم يحذف منها في الوقف شيءٌ. وقالوا: هيه وهم يريدون هي شبهوها بياء بعدي. وقالوا هوه لما كانت الواو لا تصرف للإعراب كرهوا أن يلزموها الإسكان في الوقف فجعلوها بمنزلة الياء كما جعلوا كيفه بمنزلة مسلمونه. ومثل ذلك قولهم: خذه بحكمكه. وجميع هذا في الوصل بمنزلة الأول. ومن لم يلحق هناك الهاء في الوقف لم يلحقها هنا. وقد استعملوا في شيء من هذا الألف في الوقف كما استعملوا الهاء لأن الهاء أقرب المخارج إلى الألف وهي شبيهة بها. فمن ذلك قول العرب: حيهلا فإذا وصلوا قالوا: حيهل بعمر. وإن شئت قلت: حيهل كما تقول: بحكمك.
ومن ذلك قولهم: أنا فإذا وصل قال: أن أقول ذاك. ولا يكون في الوقف في أنا إلا الألف لم تجعل بمنزلة هو لأن هو آخرها حرف مدٍّ والنون خفية فجمعت أنها على أقل عدد ما يتكلم به مفرداً وأن آخرها خفيٌّ ليس بحرف إعراب فحملهم ذلك على هذا. ونظيرة أنا مع هذا الهاء التي تلزم طلحة في أكثر كلامهم في النداء إذا وقفت فكما لزمت تلك لزمت هذه الألف. وأما أحمر ونحوه إذا قلت رأيت أحمر لم تلحق الهاء لأن هذا الآخر حرف إعراب يدخله الرفع والنصب وهو اسمٌ يدخله الألف واللام فيجر آخره ففرقوا بينه وبين ما ليس كذلك وكرهوا الهاء في هذا الاسم في كل موضع وأدخلوها في التي لا تزول حركتها وصار دخول كل الحركات فيه وأن نظيره فيما ينصرف منونٌ عوضاً من الهاء حيث قويت هذه القوة. وكذلك الأفعال نحو ظن وضرب لما كانت اللام قد تصرف حتى يدخلها الرفع والنصب والجزم شبهت بأحمر. وأما قولهم: علامه وفيمه ولمه وبمه وحتامه فالهاء في هذه الحروف أحود إذا وقفت لأنك حذفت الألف من ما فصار آخره كآخر ارمه واغزه. وقد قال قوم: فيم وعلام وبم ولم كما قالوا: اخش. وليس هذه مثل إن لأنه لم يحذف وأما قولهم: مجيء م جئت ومثل م أنت فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء ولم يكن فيه إلا ثبات الهاء لأن مجيء ومثل يستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان. وأما الحروف الأول فإنها لا يتكلم بها مفردةً من ما لأنها ليست بأسماء فصار الأول بمنزلة حرفٍ واحد لذلك. ومع هذا أنه أكثر في كلامهم فصار هذا بمنزلة حرف واحد نحو اخش. والأول من مجيء م جئت ومثل م أنت ليس كذلك. ألا تراهم يقولون: مثل ما أنت ومجيء ما جئت لأن الأول اسم. وإنما حذفوا لأنهم شبهوها بالحروف الأول فلما كانت الألف قد تلزم في هذا الموضع كانت الهاء في الحرف لازمة في الوقف ليفرقوا بينها وبين الأول. وقد لحقت هذه الهاءات بعد الألف في الوقف لأن الألف خفية فأرادوا البيان وذلك قولهم: هؤلاه وههناه. ولا يقولونه في أفعى وأعمى ونحوهما من الأسماء المتمكنة كراهية أن تلتبس
بهاء الإضافة. ومع هذا أن هذه الألفات حروف إعراب. ألا ترى أنه لو كان في موضعها غير الألف دخله الرفع والنصب والجر كما يدخل راء أحمر. ولو كان في موضع ألف هؤلا حرفٌ متحرك سواها كانت لها حركة واحدة كحركة أنا وهو. فلما كان كذلك أجروا الألف مجرى ما يتحرك في موضعها. واعلم أنهم لا يتبعون الهاء ساكناً سوى هذا الحرف الممدود لأنه خفيٌّ فأرادوا البيان كما وقد يلحقون في الوقف هذه الهاء الألف التي في النداء والألف والياء والواو في الندبة لأنه موضع تصويت وتبيين فأرادوا أن يمدوا فألزموها الهاء في الوقف لذلك وتركوها في الوصل لأنه يستغنى عنها كما يستغنى عنها في المتحرك في الوصل لأنه يجيء ما يقوم مقامها. وذلك قولك: يا غلامان ووازيداه وواغلامهوه وواذهاب غلامهيه.
أما كل اسم منون فإنه يلحقه في حال النصب في الوقف الألف كراهية أن يكون التنوين بمنزلة النون اللازمة للحرف منه أو زيادةٍ فيه لم تجىء علامةً للمنصرف فأرادوا أن يفرقوا بين التنوين والنون. ومثل هذا في الاختلاف الحرف الذي فيه هاء التأنيث فعلامة التأنيث إذا وصلته التاء وإذا وقفت ألحقت الهاء أرادوا أن يفرقوا بين هذه التاء والتاء التي هي من نفس الحرف نحو تاء القت وما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو تاء سنبتة وتاء عفريت لأنهم أرادوا أن يلحقوهما ببناء قحطبة وقنديل. وكذلك التاء في بنتٍ وأختٍ لأن الاسمين ألحقا بالتاء ببناء عمرٍ وعدلٍ وفرقوا بينها وبين تاء المنطلقات لأنها كأنها منفصلة من الأول كما أن موت منفصلٌ من حضر في حضرموت. وتاء الجميع أقرب إلى التاء التي هي بمنزلة ما هو من نفس الحرف من تاء طلحة لأن تاء طلحة كأنها منفصلة. وزعم أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون في الوقف: طلحت كما قالوا في تاء الجميع قولاً وإنما ابتدأت في ذكر هذا لأبين لك المنصرف. فأما في حال الجر والرفع فإنهم يحذفون الياء والواو لأن الياء والواو أثقل عليهم من الألف فإذا كان قبل الياء كسرةٌ وقبل الواو ضمةٌ كان أثقل. وقد يحذفون في الوقف الياء التي قبلها كسرة وهي من نفس الحرف نحو القاض. فإذا كانت الياء هكذا فالواو بعد الضمة أثقل عليهم من الكسرة لأن الياء أخف عليهم من الواو. فلما كان من كلامهم أن يحذفوها وهي من نفس الحرف كانت ههنا يلزمها الحذف إذ لم تكن من نفس الحرف ولا بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو ياء محبنطٍ ومجعبٍ. فأما الألف فليست كذلك لأنها أخف عليهم. ألا تراهم يفرون إليها في مثنى ونحوه ولا يحذفونها في وقف. ويقولون في فخذٍ: فخذٌ وفي رسلٍ: رسلٌ ولا يخففون الجمل لأن الفتحة أخف عليهم من الضمة والكسرة كما أن الألف أخف عليهم من الياء والواو. وسترى بيان ذلك إن شاء الله. وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون هذا: زيدو وهذا عمرو ومررت بزيدي وبعمري جعلوه قياساً واحداً فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف. المتحركة في الوصل التي لا تلحقها زيادةٌ في الوقف فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه: بالإشمام وبغير الإشمام كما تقف عند المجزوم والساكن وبأن تروم التحريك وبالتضعيف. فأما الذين أشموا فأرادوا أن يفرقوا بين ما يلزمه التحريك في الوصل وبين ما يلزمه الإسكان على كل حال. وأما الذين لم يشموا فقد علموا أنهم لا يقفون أبداً إلا عند حرف ساكن فلما سكن في الوقف جعلوه بمنزلة ما يسكن على كل حال لأنه وافقه في هذا الموضع. وأما الذين راموا الحركة فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكانٌ على كل حال وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال. وذلك أراد الذين أشموا إلا أن هؤلاء أشد توكيداً. وأما الذين ضاعفوا فهم أشد توكيداً أرادوا أن يجيئوا بحرفٍ لا يكون الذي بعده إلا متحركاً لأنه لا يلتقي ساكنان. فهؤلاء أشد مبالغةً وأجمع لأنه لو لم تشم كنت قد أعلمت أنها متحركة في غير الوقف. ولهذا علاماتٌ. فللإشمام نقطةٌ وللذي أجري مجرى الجزم والإسكان الخاء ولروم الحركة خطٌّ بين يدي الحرف وللتضعيف الشين. فالإشمام قولك: هذا خالد وهذا فرج وهو يجعل. وأما الذي أجري مجرى الإسكان والجزم فقولك: مخلد وخالد وهو يجعل. وأما الذين راموا الحركة فهم الذين قالوا: هذا عمر وهذا أحمد كأنه يريد رفع لسانه. حدثنا بذلك عن العرب الخليل وأبو الخطاب. وحدثنا الخليل عن العرب أيضاً بغير الإشمام وإجراء الساكن. وأما التضعيف فقولك: هذا خالد وهو يجعل وهذا فرج. حدثنا بذلك الخليل عن العرب. ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافي سبسباً يريد: السبسب وعيهل يريد: العيهل لأن التضعيف لما كان في كلامهم في الوقف أتبعوه الياء في الوصل والواو على ذلك. كما يلحقون الواو والياء في القوافي فيما لا يدخله ياءٌ ولا واوٌ في الكلام وأجروا الألف مجراهما لأنها شيركتهما في القوافي ويمد بها في غير موضع التنوين ويلحقونها في التنوين فألحقوها بهما فيما ينون في الكلام وجعلوا سبسب كأنه مما لا تلحقه الألف في النصب إذا وقفت. قال رجلٌ من بني أسدٍ: وقال رؤبة: لقد خشيت أن أرى جدبا في عامنا ذا بعد ما أخصبا أراد: جدباً. وقال رؤبة: بدءٌ يحب الخلق الأضخما فعلوا هذا إذ كان من كلامهم أن يضاعفوا. فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرفٍ ساكناً لم يضعفوا نحو عمرٍو وزيدٍ وأشباه ذلك لأن الذي قبله لا يكون ما بعده ساكناً لأنه ساكن. وقد يسكن ما بعد ما هو بمنزلة لام خالد وراء فرج فلما كان مثل ذلك يسكن ما بعده ضاعفوه وبالغوا لئلا يكون بمنزلة ما يلزمه السكون. ولم يفعلوا ذلك بعمرٍو وزيدٍ لأنهم قد علموا أنه لا تسكن أواخر هذا الضرب من كلامهم وقبله ساكن ولكنهم يشمون ويرومون الحركة لئلا يكون بمنزلة الساكن الذي يلزمه السكون. وقد يدعون الإشمام وروم الحركة أيضاً كما فعلوا بخالد ونحوه. وأما ما كان في موضع نصب أو جرٍّ فإنك تروم فيه الحركة وتضاعف وتفعل فيه ما تفعل بالمجزوم على كل حال وهو أكثر في كلامهم. وأما الإشمام فليس إليه سبيل وإنما كان ذا في الرفع لأن الضمة من الواو فأنت تقدر أن تضع لسانك في أي موضع من الحروف شئت ثم تضم شفتيك لأن ضمك شفتيك كتحريكك بعض جسدك وإشمامك في الرفع للرؤية وليس بصوتٍ للأذن. ألا ترى أنك لو قلت هذا معن فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم فأنت قد تقدر على أن تضع لسانك موضع الحرف قبل تزجية الصوت ثم تضم شفتيك ولا تقدر على أن تفعل ذلك ثم تحرك موضع الألف والياء. فالنصب والجر لا يوافقان الرفع في الإشمام. وهو قول العرب ويونس والخليل. فأما فعلك بهما كفعلك بالمجزوم على كل حال فقولك: مررت بخالدٍ ورأيت الحارث. وأما روم الحركة فقولك: رأيت الحارث ومررت بخالد. وإجراؤه كإجراء المجزوم أكثر كما أن الإشمام وإجراء الساكن في الرفع أكثر لأنهم لايسكنون إلا عند ساكنٍ فلا يريدون أن يحدثوا فيه شيئاً سوى ما يكون في الساكن. وأما التضعيف فهو قولك: مررت بخالدٍ ورأيت أحمد. وحدثني من أثق به أنه سمع عربياً يقول: أعطني أبيضه يريد: أبيض وألحق الهاء كما ألحقها في: هنه وهو يريد: هن. وذلك قول بعض العرب: هذا بكر ومن بك. ولم يقولوا: رأيت البكر لأنه في موضع التنوين وقد يلحق ما يبين حركته. والمجرور والمرفوع لا يلحقهما ذلك في كلامهم. ومن ثم قال الراجز - بعض السعديين: أنا ابن ماوية إذ جد النقر أراد: النقر إذا نقر بالخيل. ولا يقال في الكلام إلا النقر في الرفع وغيره. وقالوا: هذا عدل وفسل فأتبعوها الكسرة الأولى ولم يفعلوا ما فعلوا بالأول لأنه ليس من كلامهم فعل فشبهوها بمنتنٍ أتبعوها الأول. وقالوا: في البسر ولم يكسروا في الجر لأنه ليس في الأسماء فعل فأتبعوها الأول وهم الذين يخففون في الصلة البسر. وقالوا: رأيت العكم فلم يفتحوا الكاف كما لم يفتحوا كاف البكر وجعلوا الضمة إذ كانت قبلها بمنزلتها إذا كانت بعدها وهو قولك: رأيت الجحر. وإنما فعلوا ذلك في هذا لأنهم لما جعلوا ما قبل الساكن في الرفع والجر مثله بعده صار في النصب كأنه بعد الساكن. ولا يكون هذا في زيد وعون ونحوهما لأنهما حرفا مدٍّ فهما يحتملان ذلك كما احتملا أشياء في القوافي لم يحتملها غيرهما وكذلك الألف. ومع هذا كراهية الضم والكسر في الياء والواو واعلم أن من الحروف حروفاً مشربة ضعطت من مواضعها فإذا وقفت خرج معها من الفم صويتٌ ونبا اللسان عن موضعه وهي حروف القلقلة وستبين أيضاً في الإدغام إن شاء الله. وذلك القاف والجيم والطاء والدال والباء. والدليل على ذلك أنك تقول: الحذق فلا تستطيع أن تقف إلا مع الصويت لشدة ضغط الحرف. وبعض العرب أشد صوتاً كأنهم الذين يرومون الحركة. ومن المشربة حروفٌ إذا وقفت عندها خرج معها نحو النفخة ولم تضغط ضغط الأولى وهي الزاي والظاء والذال والضاد لأن هذه الحروف إذا خرجت بصوت الصدر انسل آخره وقد فتر من بين الثنايا لأنه يجد منفذاً فتسمع نحو النفخة. وبعض العرب أشد صوتاً وهم كأنهم الذين يرومون الحركة. والضاد تجد المنفذ من بين الأضراس وستبين هذه الحروف أيضاً في باب الإدغام إن شاء الله. وذلك قولك: هذا نشز وهذا خفض. وأما الحروف المهموسة فكلها تقف عندها مع نفخٍ لأنهن يخرجن مع التنفس لا صوت الصدر وإنما تنسل معه. وبعض العرب أشد نفخاً كأنهم الذين يرومون الحركة فلابد من النفخ لأن النفس تسمعه كالنفخ. ومنها حروفٌ مشربة لا تسمع بعدها في الوقف شيئاً مما ذكرنا لأنها لم تضغط ضغط القاف ولا تجد منفذاً كما وجد في الحروف الأربعة. وذلك اللام والنون لأنهما ارتفعتا عن الثنايا فلم تجدا منفذاً. وكذلك الميم لأنك تضم شفتيك ولا تجافيهما كما جافيت لسانك في الأربعة حيث وجدن المنفذ. وكذلك العين والغين والهمزة لأنك لو أردت النفخ من مواضعها لم يكن كما لا يكون من مواضع اللام والميم وما ذكرت لك من نحوهما. ولو وضعت لسانك في مواضع الأربعة لاستطعت النفخ فكان آخر الصوت حين يفتر نفخاً. والراء نحو الضاد. واعلم أن هذه الحروف التي يسمع معها الصوت والنفخة في الوقف لا يكونان فيهن في الوصل إذا سكن لأنك لا تنتظر أن ينبو لسانك ولا يفتر الصوت حتى تبتدىء صوتاً. وكذلك المهموس لأنك لا تدع صوت الفم يطول حتى تبتدىء صوتاً. وذلك قولك: أيقظ عميراً وأخرج حاتماًن وأحرز مالاً وأفرش خالداً وحرك عامراًز وإذا وقفت في المهموس والأربعة قلت: أفرش وأحبس فمددت وسمعت النفخ فتفطن. وكذلك: الفظ وخ فنفخت فتفطن فإنك ستجده كذلك إن شاء الله. ولا يكون شيء من هذه الأشياء في الوصل نحو أذهب زيداً وخذهما واحرسهما كما لا يكون في المضاعف في الحرف الأول إذا قلت: أحدٌ ودق ورش.
وهذه الحروف غير مهموسات وهي حروف لينٍ ومدٍّ ومخارجها متسعة لهواء الصوت وليس شيء من الحروف أوسع مخارج منها ولا أمد للصوت فإذا وقفت عندها لم تضمها بشفةٍ ولا لسانٍ ولا حلقٍ كضم غيرها فيهوي الصوت إذا وجد متسعاً حتى ينقطع آخره في موضع الهمزة. وإذا تفطنت وجدت مس ذلك. وذلك قولك: ظلموا ورموا وعمى وحبلى. وزعم الخليل أنهم لذلك قالوا: ظلموا ورموا فكتبوا بعد الواو ألفاً. وزعم الخليل أن بعضهم يقول: رأيت رجلاً فيهمز وهذه حبلأ وتقديرهما: رجلع وحبلع فهمز لقرب الألف من الهمزة حيث علم أنه سيصير إلى موضع الهمزة فأراد أن يجعلها همزة واحدة وكان أخف عليهم. وسمعناهم يقولون: هو يضر بهأ فيهمز كل ألف في الوقف كما يستخفون في الإدغام فإذا وصلت لم يكن هذا لأن أخذك في ابتداء صوت آخر يمنع الصوت أن يبلغ تلك الغاية في السمع. أما كل همزة قبلها حرفٌ ساكن فإنه يلزمها في الرفع والجر والنصب ما يلزم الفرع من هذه المواضع التي ذكرت لك من الإشمام وروم الحركة ومن إجراء الساكن. وذلك قولهم: هو واعلم أن ناساً من العرب كثيراً ما يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة حركة الهمزة سمعنا ذلك من تميم وأسدٍ يريدون بذلك بيان الهمزة وهو أبين لها إذا وليت صوتاً والساكن لا ترفع لسانك عنه بصوت لو رفعت بصوتٍ حركته فلما كانت الهمزة أبعد الحروف وأخفاها في الوقف حركوا ما قبلها ليكون أبين لها. وذلك قولهم: هو الوثؤ ومن الوثىء ورأيت الوثأ. وهو البطؤ ومن البطىء ورأيت البطأ. وهو الردؤ وتقديرها الردع ومن الردىء ورأيت الردأ. يعني بالردء الصاحب. وأما ناسٌ من بني تميم فيقولون هو الردىء كرهوا الضمة بعد الكسرة لأنه ليس في الكلام فعل فتنكبوا هذا اللفظ لاستنكار هذا في كلامهم. وقالوا: رأيت الردىء ففعلوا هذا في النصب كما فعلوا في الرفع أرادوا أن يسووا بينهما. وقالوا: من البطؤ لأنه ليس في الأسماء فعل. وقالوا: رأيت البطؤ أرادوا أن يسووا بينهما. ولا أراهم إذ قالوا: من الردىء وهو البطؤ إلا يتبعونه الأول وأرادوا أن يسووا بينهن إذ أجرين مجرىً واحداً وأتبعوه الأول كما قالوا: رد وفر. ومن العرب من يقول: هو الوثو فيجعلها واواً حرصاً على البيان. ويقول من الوثىء فيجعلها ياءً ورأيت الوثا. يسكن الثاء في الرفع والجر وهو في النصب مثل القفا. وأما من لم يقل من البطىء ولا هو الردؤ فإنه ينبغي لمن اتقى ما اتقوا أن يلزم الواو والياء.
وإذا كان الحرف قبل الهمزة متحركاً لزم الهمزة ما يلزم النطع من الإشمام وإجراء المجزوم وروم الحركة. وكذلك تلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها الذي ذكرت لك وذلك قولك هو الخطأ وهو الخطأ وهو الخطأ. ولم نسمعهم ضاعفوا لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الحروف في الكلام فكأنهم تنكبوا التضعيف في الهمز لكراهية ذلك. فالهمزة بمنزله ما ذكرنا من غير المعتل إلا في القلب والتضعيف. ومن العرب من يقول: هذا هو الكلو حرصاً على البيان كما قالوا: الوثو. ويقول: من الكلى يجعلها ياء كما قالوا من الوثى: ويقول: رأيت الكلا ورأيت الحبا يجعلها ألفاً كما جعلها في الرفع واواً وفي الجر ياءً. وكما قالوا الوثا وحركت الثاء لأن الألف لابد لها من حرف قبلها مفتوح. وهذا وقف الذين يحققون الهمزة. فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فقولهم: هذا الخبا في كل حال لأنها همزة ساكنة قبلها فتحة فإنما هي كألف راسٍ إذا خففت. ولا تشم لأنها ألف كألف مثنى. ولو كان ما قبلها مضموماً لزمها الواو نحو أكمو. ولو كان مكسوراً لزمت الياء نحو أهنى وتقديرها أهنع فإنما هذا بمنزلة جونةٍ وذيبٍ. ولا إشمام في هذه الواو لأنها كواو يغزو. وإذا كانت الهمزة قبلها ساكنٌ فخففت فالحذف لازم. ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف غير المعتلة من الإشمام وإجراء الجزم وروم الحركة والتضعيف. وذلك قولهم: هذا الوث ومن الوث ورأيت الوث والخب ورأيت الخب وهو الخب ونحو ذلك. إذا كان بعده هاء المذكر الذي هو علامة الإضمار ليكون أبين لها كما أردت ذلك في الهمزة وذلك قولك: ضربته واضربه وقده ومنه وعنه. سمعت ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء حيث حركوا لتبيانها. قال الشاعر وهو زيادٌ الأعجم: عجبت والدهر كثيرٌ عجبه ** من عنزيٍّ سبى لم أضربه وقال أبو النجم: فقربن هذا وهذا أزحله وسمعنا بعض بني تميم من بني عديٍّ يقولون: قد ضربته وأخذته كسروا حيث أرادوا أن يحركوها لبيان الذي بعدها لا لإعراب يحدثه شيءٌ قبلها كما حركوا بالكسر إذا وقع بعدها ساكنٌ يسكن في الوصل فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبين وتتبعها واواً كما أنك تسكن في الهمزة إذا وصلت فقلت: هذا وثءٌ كما ترى لأنها تبين. وكذلك قد ضربته فلانة وعنه أخذت فتسكن كما تسكن إذا قلت: عنها أخذت. وفعلوا هذا بالهاء لأنها في الخفاء نحو الهمزة. حرفا أبين منه يشبهه لأنه خفيٌّ وكان الذي يشبهه أولى كما أنك إذا قلت: مصطفين جئت بأشبه الحروف بالصاد من موضع التاء لا من موضع آخر وذلك قول بعض العرب في أفعى: هذه أفعى وفي حبلى: هذه حبلى وفي مثنى: هذا مثنى. فإذا وصت صيرتها ألفاً. وكذلك كل ألفٍ في آخر الاسم. حدثنا الخليل وأبو الخطاب أنها لغةٌ لفزارة وناسٍ من قيس وهي قليلة. فأما الأكثر الأعرف فأن تدع الألف وفي الوقف على حالها ولا تبدلها ياءً. وإذا وصلت استوت اللغتان لأنه إذا كان بعدها كلام كان أبين لها منها إذا سكت عندها فإذا استعملت الصوت كان أبين. وأما طيىءٌ فزعموا أنهم يدعونها في الوصل على حالها في الوقف لأنها خفية لا تحرك قريبةٌ من حدثنا بذلك أبو الخطاب وغيره من العرب وزعموا أن بعض طيىءٍ يقول: أفعو لأنها أبين من الياء ولم يجيئوا بغيرها لأنها تشبه الألف في سعة المخرج والمد ولأن الألف تبدل مكانها كما تبدل مكان الياء وتبدلان مكان الألف أيضاً وهن أخواتٌ. ونحو ما ذكرنا قول بني تميم في الوقف: هذه فإذا وصلوا قالوا: هذي فلانة لأن الياء خفية فإذا سكت عندها كان أخفى. والكسرة مع الياء أخفى فإذا خفيت الكسرة ازدادت الياء خفاءً كما ازدادت الكسرة فأبدلوا مكانها حرفاً من موضع أكثر الحروف بها مشابهةً وتكون الكسرة معه أبين. وأما أهل الحجاز وغيرهم من قيس فألزموها الهاء في الوقف وغيره كما ألزمت طيىءٌ الياء. وهذه الهاء لا تطرد في كل ياءٍ هكذا وإنما هذا شاذٌّ ولكنه نظير للمطرد الأول. وأما ناس من بني سعدٍ فإنهم يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف لأنها خفية فأبدلوا من موضعها أبين الحروف وذلك قولهم: هذا تميمج يريدون: تميميٌّ وهذا علج يريدون: عليٌّ. وسمعت بعضهم يقول: عربانج يريد: عربانيٌّ. وحدثني من سمعهم يقولون: خالي عويفٌ وأبو علج المطعمان الشحم بالعشج وبالغداة فلق البرنج وهي الياءات وذلك قولك: هذا قاض وهذا غاز وهذا عم تريد العمى. أذهبوها في الوقف كما ذهبت في الوصل ولم يريدوا أن تظهر في الوقف كما يظهر ما يثبت في الوصل. فهذا الكلام الجيد الأكثر. وحدثنا أبو الخطاب ويونس أن بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول: هذا رامي وغازي وعمي أظهروا في الوقف حيث صارت في موضع غير تنوين لأنهم لم يضطروا ههنا إلى مثل ما اضطروا إليه في الوصل من الاستثقال. فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف. وذلك قولك: هذا القاضي وهذا العمي لأنها ثابتة في الوصل. ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام. وفعلوا هذا لأن الياء مع الكسرة تستثقل كما تستثقل الياءات فقد اجتمع الأمران. ولم يحذفوا في الوصل في الألف واللام لأنه لم يلحقه في الوصل ما يضطره إلى الحذف كما لحقه وليست فيه ألفٌ ولام وهو التنوين لأنه لا يلتقي ساكنان. وكرهوا التحريك لاستثقال ياءٍ فيها كسرةٌ بعد كسرة ولكنهم حذفوا في الوقف في الألف واللام إذ كانت تذهب وليس في الاسم ألف ولام كما حذفوا في الوقف ما ليس فيه ألف ولام إذ لم يضطرهم إلى حذفه ما اضطرهم في الوصل. وأما في حال النصب فليس إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل فيما ليست فيه ألفٌ ولامٌ. ومع هذا أنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتل وذلك قولك: رأيت القاضي. وقال الله عز وجل: " كلا إذا بلغت التراقي ". وتقول: رأيت جواري لأنها ثابتة في الوصل متحركة. وسألت الخليل عن القاضي في النداء فقال: أختار يا قاضي لأنه ليس بمنون كما أختار هذا القاضي. وأما يونس فقال: يا قاض. وقول يونس أقوى لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء كانوا في النداء أجدر لأن النداء موضع حذفٍ يحذفون التنوين ويقولون: يا حار ويا صاح ويا غلام أقبل. وقالا في مرٍ إذا وقفا: هذا مري كرهوا أن يخلوا بالحرف فيجمعوا عليه ذهاب الهمزة والياء فصار عوضاً. يريد مفعلٌ من رأيت. وأما الأفعال فلا يحذف منها شيءٌ لأنها لا تذهب في الوصل في حال وذلك: لا أقضي وهو يقضي ويغزو ويرمي. إلا أنهم قالوا: لا أدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم فهو شاذٌّ. كما قالوا لم يك شبهت النون بالياء حيث سكنت. ولا يقولون لم يك الرجل لأنها في موضع تحركٍ فلم يشبه بلا أدر فلا تحذف الياء إلا في: لا أدر وما أدر. وجميع ما لا يحذف في الكلا وما يختار فيه أن لا يحذف يحذف في الفواصل والقوافي. فالفواصل قول الله عز وجل: " والليل إذا يسر " " وما كنا نبغ " و " يوم التناد " و " الكبير المتعال ". والأسماء أجدر أن تحذف إذ كان الحذف فيها في غير الفواصل والقوافي. وأما القوافي فنحو قوله - وهو زهير: وأراك تفرى ما خلقت وبع ض القوم يخلق ثم لا يفر وإثبات الياءات والواوات أقيس الكلامين. وهذا جائز عربيٌّ كثير.
|